المادة    
وأما الشبهة التي تقول: إن قول الله تبارك وتعالى: (( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ))[النحل:106] يدل على أن القلب هو موضع الإيمان، فنقول: إن الآيات التي تدل على هذا كثيرة، ومنها قوله تعالى: (( أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ))[المجادلة:22]، وقوله تعالى: (( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ ))[الحجرات:7]، فذكر في الآيات: كتب، وطمئن، وحبب، القرآن هو الأساس، فمن آتاه الله تبارك وتعالى فهماً لمعاني القرآن، أو استعان على ذلك بكتب التفسير؛ فإنه يجد فيه من الخير والإيمان واليقين والطمأنينة ما لا يجده في كلام أحد من البشر، فإن اضطر إلى أن يفهمه -ولا بد أن نضطر إليه باعتبار اللغة- فلنأخذ أول ما نفهم ذلك، ونستزيد في المعرفة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم من كلام السلف وما فسروا به القرآن، وهذه وصية يجب أن نتواصى بها دائماً، أي: ليكن القرآن هو الأساس في حياتنا، وفي علمنا، وفي اطلاعنا، وفي إيماننا، وفي يقيننا، ولنعلم أنه ما من شبهة -كما قال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما-: يأت بها ملحد أو كافر أو ضال إلا وجوابها في كتاب الله، علمه من علمه وجهله من جهله، وسواء شبهات النصارى أو الروافض أو الخوارج أو الفلاسفة أو الباطنية أو المرجئة أو غيرها، ولكن من الذي يفقه القرآن؟ من الذي يتدبر القرآن؟ من الذي يتأمل ما يقرأ؟ ولذلك العامي من المسلمين الذي لا يقرأ ولا يكتب، لكن يعرف شيئاً من لغة العرب، فإنه يفهم القرآن إذا قرأه، ولو شيئاً من الفهم، بل ويزداد إيمانه، حتى لو لم يفهم ما معنى هذه الآيات، وما هو تفسيرها، وما هي الأحكام المستنبطة منها، فإن إيمانه يزداد، والمهم والأساس هو الإيمان، وليس مجرد زيادة أحكام أو تفريعات أو مسائل، فهذه أمور تبعية، والتدبر والتأمل لا بد أن يورث زيادة الإيمان في قلب العبد، وتأمل خطيب الجمعة الذي يأتي بأبلغ العبارات وأقواها، ويأتي أحياناً بالأشعار والأخبار وغيرها، فإن أكثر الناس من العامة الذين لا يفقهون هذه العبارات وهذه المعاني، وهذه التشبيهات وهذه المجازات -كما يسمونها- وما أشبه ذلك، إذ إنها أمور تبعية، لكن لو أنه قرأ آية فإنه يفهمها، فهل هناك أفضل وأعظم من ذلك أن نعلم الناس كلام الله؟ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم الجمعة بـ (ق)، فالقرآن هو مصدر المعرفة واليقين والإيمان، فيجب أن يكون كذلك في حياتنا، ثم تكون السنة شارحة له ومفسرة، ثم كلام السلف الصالح والأئمة العلماء الموثوق بعلمهم، وأخيراً ما يكمل ذلك من كلام -مثلاً- لأهل الأخلاق، أو حكم أخلاقية أو عبر أو ما أشبه ذلك، فهذه تأتي في الأخير، من شعر الشعراء، ومن خطب الخطباء، أما أن نقدم المؤخر ونؤخر المقدم، فهذا شيء لا يليق، فالمقصود أننا نراجع هذه المواضع ثم نفهم تفسيرها، وإذا فقهنا ذلك فهو خير كبير، فالله تبارك وتعالى جعل القلب موضع الطمأنينة والكسب للإيمان وتزيين الإيمان، وبالمقابل أيضاً الكفار، فجعل القلب موضع إنكارهم وجحودهم وكفرهم وتكذيبهم واستكبارهم.. إلخ.